stacked-coins-with-dirt-plant

القطاع غير الربحي في المملكة الآفاق والتحديات

تتزايد أهمية العمل الخيري في الوقت الحاضر نتيجة تنامي الاحتياجات المجتمعية، والأزمات الاقتصادية التي تفرز مشكلات اجتماعية أعمق أو أوسع، فلم يعد القطاعان العام والخاص كافيين لتلبية احتياجات كافة شرائح المجتمع، وصارت هناك ضرورة لقطاع ثالث قوي وفعال، يحمل بعضا من أعباء التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويعمل عن قرب للاستماع للفئات الأقل حظاً وتقديم يد العون لها.

من المتوقع تنامي دور القطاع غير الربحي في المملكة في السنوات القادمة، خصوصا مع إطلاق “رؤية 2030”، والتي أعطت لهذا القطاع أهمية خاصة، واعتبرته من محركات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كما تعوّل عليه أن يلعب دوراً  مباشراً في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لرؤية المملكة.

 

تحديات القطاع غير الربحي في المملكة

تتزايد أعداد المنظمات غير الربحية وفقا للتقارير الصادرة من الجهات الإشرافية، أنّ إجمالي عدد المنظمات غير الربحية في المملكة تجاوز حاجز 3000 منظمة، أي ما يعادل منظمة واحدة لكل 10,000 من السكان في المملكة، وهو عدد قليل مقارنة بدول أخرى، ففي فرنسا تبلغ النسبة 200 جمعية لكل 10000 شخص، وفي كندا  53 منظمة، وفي الولايات المتحدة 49 منظمة، وفي مصر 5 منظمة.

قد يكون التحدي الأكبر الذي يواجه المنظمات غير الربحية في المملكة هو مشكلة التمويل، من المهم أن تحاول المنظمات تنويع مصادر دخلها، والبحث عن قنوات جديدة لتمويل مشاريعها، وألا تكتفي بالدعم الحكومي والجهات المانحة كقنوات رئيسية. كما أنّ على هذه المنظمات أن تحاول فهم عقلية المواطن السعودي ورؤيته للعمل غير الربحي، وأن تتكيف مع خصوصياته، فالتقرير الصادر عن مؤسسة الملك خالد حول واقع العمل غير الربحي يشير إلى أنّ السعوديين يفضلون أن يتبرعوا وينفقوا سراً، وليس علانية، وهذا أمر طبيعي لأنه من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فقد قال ربنا عز وجل: ﴿ إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ﴾ [البقرة: 271]. كما بيّن التقرير كذلك أنّ أغلب السعوديين يفضلون توجيه تبرعاتهم للمحتاجين مباشرةً عوضاً عن دفعها للمنظمات، لذلك سيكون أمام منظمات القطاع غير الربحي في المملكة تحدي إقناع المتبرعين السعوديين بأنّها أكثر قدرة على إيصال تبرعاتهم إلى المحتاجين، وأكثر كفاءة في تدبيرها.

أيضا من التحديات التي تواجهها المنظمات غير الربحية في المملكة هو تصحيح النظرة النمطية للمجتمع لهذا القطاع، فكثير من السعوديين – بحسب التقرير – يخلطون بين مفهوم المنظمات غير الربحية، ومفهوم عمل الخير، فقد وجدت الدراسة مثلا، أنّ الأغلبية ترى أنّ خدمة الأقارب وجه من أوجه العمل التطوعي، وهو ما يأتي مخالفا للتعريف العالمي للتطوع، لأنه لا يعتد به إلا إذا قدمه الفرد خارج نطاق الأسرة القريبة. وعلى الرغم من أنّ أغلب السعوديين يوافقون على أنّ للقطاع غير الربحي مساهمة في خدمة وتطوير المجتمع السعودي، لكنّ معظمهم يرى بأنّ هذه المساهمة متوسطة أو ضعيفة. كما أبدى % 11 من عينة المسح رأيهم بأنّ القطاع لا يساهم في خدمة أو تطوير المجتمع السعودي.

 

آفاق القطاع غير الربحي في المملكة

شهد القطاع غير الربحي بعد إصدار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الجديد في عام 2015 م، نمواً مطرداً في طلبات تأسيس الجمعيات. مما يعطي دلالة على النمو المتوقع مستقبلاً للقطاع وما نشهده اليوم من ازدهار وتوسع، ويبعث على التفاؤل بمستقبله، فرغم كل التحديات التي تعترض طريق القطاع غير الربحي في المملكة، إلا أنّ التقرير قدم مؤشرات تجعلنا نثق في قدرته على النمو والازدهار.

– القطاع الأكثر توليداً للوظائف اللائقة في المملكة. يحصل العاملون في القطاع غير الربحي في المتوسط على أجور أعلى من القطاع الخاص، فمتوسط الأجور في القطاع غير الربحي يقارب 5,323 ريال، مقارنة بـ 4,455 ريال سعودي في القطاع الخاص. كما أنّ ساعات العمل أقل، حيث لا تتجاوز 40 ساعة أسبوعيا، مقارنة بـ 45 ساعة في القطاع الخاص، ما يعني أنّ هذا القطاع لديه القدرة على منافسة القطاع الخاص على جلب أفضل الكفاءات.

– القطاع غير الربحي هو القطاع الأكثر توازنا من ناحية توظيف الجنسين. حيث تشكل الإناث ما نسبته % 42.8 من العاملين في القطاع غير الربحي، مقارنة ب% 14.9 من إجمالي سوق العمل.

– رؤية المملكة 2030 لمساهمة القطاع غير الربحي. تستهدف رؤية المملكة 2030 الوصول بمساهمة القطاع غير الربحي إلى % 5 من الناتج المحلي الإجمالي، بدلا من النسبة الحالية التي لا تصل إلى واحد في المئة. بافتراض استمرار معدلات النمو الحالية، فإنه من المتوقع أن تنمو مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بمعدل 10.4 %، وهو نمو سريع، لكنه لن يكفي لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، فلتحقيق ذلك، يجب على القطاع أن ينمو سنوياً بوتيرة تتراوح بين % 38 و% 51 لتحقيق أهداف 2020، ووتيرة تتراوح بين % 31 و% 39 سنوياً لتصل إلى أهداف رؤية 2030، لذلك فإنّ كل فعاليات القطاع غير الربحي مُطالبة بالعمل بالسرعة القصوى لتحقيق هذا المشروع الطموح.

مجتمع حيوي ومبادر. يمتاز القطاع غير الربحي عالمياً عن غيره من القطاعات بأنه نابع عن مبادرات طوعية وغير هادفة للربح. وإنّ المجتمع السعودي، ككل المجتمعات المسلمة، قد منّ الله عليه بدين يحفّز على فعل الخير، ويحث المسلمين على المسارعة إلى العمل الصالح، وتقديم يد العون للمحتاجين، وهذا هو جوهر العمل الخيري. لذلك يمتاز القطاع غير الربحي السعودي بمستوى مشاركة فاعلة، وشغف للعمل المجتمعي والمساهمة في تقدم البلاد ومعالجة قضاياها الملحة، ومكافحة الفقر، وبناء قدرات الشباب، ورعاية الفئات المهمشة.

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *